وقد كان الباعث على كتابة هذه الرسالة المتواضعة تصحيح أخطاء بعض المنتسبين الى السنة ،لاعتقادنا أن تصحيح أخطائهم والتنبيه عليها أوجب من تصحيح أخطاء غيرهم والتنبيه عليها ،لأن الاغترار بهم أكثر والثقة فيهم أشد لانتسابهم الى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخطاءهذا الصنف من الناس أمكن في النفوس من أخطاء غيرهم ، لأنه لا نسبة لما أخطؤوا فيه بما أصابوا فيه ،فلاتظهرأخطاؤهم اليسيرة في بحار محاسنهم ، وهذا نفسه يجعل الناس تتق فيهم أكثر ،وتعتقد الحق في كل أقوالهم فلا ترى ذلك النزر اليسير الى جانب تلك البحار من المحاسن .
ومن هنا اشتد نكبر الشريعة على اتباع زلة العالم وزيغة الحكيم لأن المفاسد المترتبة على زلة العالم السني أكثر من المفاسد المترتبة على زلة المنتسبين الى العلم من المبتدعة المارقين .
وأيضا فان أخطاء غير المنتسبين الى السنة سهلة المسالك واضحة المدارك ، يعلمها الناس على جهة الاجمال ثم يتفاضلون في العلم بتفاصيلها ،فالعامي مثلا من أهل السنة يدرك تماما أن الرافضة ضلال وأنه يجب الاحتراز مما يقول أئمتهم ، وهذا الادراك منه على وجه الاجمال ،وقد يعلم فساد بعض التفاصيل و قد لايعلمها ، فيعلم مثلا أن قولهم بجواز اتيان النساء في الحشوش منكر من القول ،وأن زواج المتعة أخو الزنا ، وأن قولهم في القرآن والصحابة والعصمة والرجعة من أعظم الكذب على الله ،وقد لايعلم بعض التفاصيل ، لذلك قد يرد بعض عوام أهل السنة بعض الحق الذي عند اهل الأهواء ،لا من جهة رد الحق ولكن من جهة الاحتراز والتحفظ منهم ،لأن مذهبهم مؤسس على ضلالة ، مبني على شفا جرف هار .
وأيضا لنؤكد أن المنهج السلفي الشريف لايحابي أحدا في دين الله تعالى فيقبل الحق مهما كان قائله ويرد الباطل مهما كان قائله ، لأن من مسلماتهأن كل أحد يؤخد من قوله ويترك الا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذا المنهج يصوب ويخطيء ولكن لا يعصم ولا يؤثم ،وهذانفسه يعد من محاسن هذا المنهج وأنه أولى بتمثيل الاسلام الذي كان عليه البدريون ، فلا تعصب فيه لا للجماعة و لاللفكرة ولا للمقالة ولا للنحلة ، وأن أهله لا يجتمعون على ضلالة ،فان أخطأ بعضهم لم يكن ذلك القول منسوبا الى جملتهم بل من رحمة الله بهم وفضله عليهم أن ينبه بعضهم على أخطأ بعض .وهذا اعلان صريح بأن متبوعهم هو صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم دون غيره ،فلا يتعصبون الا لما جاء به من عند الله ،ويردون الخطأ ولو القائل به من المعظمين عندهم ، وبهذا امتازوا عن سائر الفرق ،ولولا هذه الفضيلة لما كان بينهم وبين غيرهم كبير فرق ،بل انهم ما صح انتسابهم الى السنة الا بايثار اتباعها على اتباع الأغيار .
ولست بحاجة الى التذكير بأن السلفية التي نقصدها بالتصحيح ليست تلك التي كان عليها خيار عباد الله من سلف هذه الأمة وساداتها وأفاضلها من الصحابة والتابعين عليهم رضوان الله تعالى ،فان تلك لاتقبل النقد والتصحيح ولا التقويم ولا التمحيص لأنها هي الميزان كل ذلك ،وبقدر الانتساب اليها ينال السناء والتمكين والرفعة والاستقامة ، لأنها الحق الصراح الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما عليه أصحابه رضوان الله عليهم ، وضمن لهم عز الدارين ما تمسكوا به ...
وليست كذلك تلك التي دعا اليها شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وتلامذته الأفاضل كابن قيم الجوزية وابن كثير والذهبي وغيرهم من العلماء الربانيين ...
وليست كذلك تلك السلفية التي جدد معالمها وأحيا ما اندرس منها شيخ الاسلام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله وأولاده وأحفاده والمتقدمون من أتباعه ...
ان سلفية هؤلاء واحدة لصدورها من مشكاة واحدة فهي متحدة مشربا ومذهبا وكل ما بدا منها مختلفا فاطراحه أولى و الاعتراض بهاعتراض بأوصاف عديمة التأثير .
وانما السلفية التي نقصدها بالتصحيح هي تلك التي عليها طائفة معينة من المعاصرين والتي تميزت عن السلفية الأولى بأصول اعتقادية وقواعد علمية ومناهج عملية ثم عملت جاهدة على جعل أخطائها تلك منهجا للسلفية الصحيحة تحاكم اليه الأفراد والجماعات ثم تحكم عليهم تبعا لذلك بما يستحقونه من المدح والذم .
انها سلفية تحمل في بعض أصولها الاعتقادية وقواعدها العلمية ومناهجها العملية ما يخالف تماما السلفية العتيقة بل ما يعاكسها في بعض المواطن ،ومع كل ذلك لا يزال أهلها يصرون على أن محدثاتهم تلك هي السنة والسلفية وأن الخارج عنها خارج عما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم