ثالثا :
ما ذكره هؤلاء المشككون في السنن من أن العلم : لم يدون ولم يصنف إلا في القرن الثاني الهجري إستناداً إلى بعض النقول الواردة عن صنف من المحدثين والمؤرخين فإنه لا يثبت مدعي هؤلاء ، لأن هناك فرقا واضحا بين :
أ - تقييد العلم .
ب - وتدوين العلم .
ج - وتصنيف العلم .
إذ تقييد العلم معناه :
رسمه وكتابته أعم من أن يكون مجموعا أو مفرقا ، مرتبا أو غير مرتب ، تقول : قيد العلم بالكتاب ، يعني : أثبته وضبطه(1).
وتدوين العلم معناه : جمع المتفرق المشتت في ديوان واحد ، أي في كتاب واحد أعم من أن يكون مرتبا أو غير مرتب ، إذ الديوان في اللغة : مجتمع الصحف(2).
وتصنيف العلم معناه :
ترتيب ما دون في أبواب مميزة ، وفصول محدودة ، تقول : صنف الشيء ، أي اجعله أصنافا وميز بعضها من بعض(3) .
وتبعا لما ذكرناه فإن المحدثين والمؤرخين لا يقصدون بقولهم : إن ابن شهاب الزهري هو أول من دون الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز ، لا يقصدون بذلك : أنه أول من كتب الحديث ، وإنما يقصدون أنه أول من جمعها في دفتر واحد ، ولا يقصدون بقولهم : إن التصنيف لم يقع إلا في القرن الثاني الهجري ، لا يقصدون بذلك : أن كتابة الحديث لم تقع إلا في القرن الثاني الهجري ، وإنما يقصدون : أنه رتب وميز ابتداء من هذا الوقت ليسهل الرجوع إليه ، وليميز ما بين صحيحه وسقيمه(4) .
وهكذا ببطلان ما ساقه هؤلاء من أدلة على عدم كتابة السنة في القرن الأول الهجري يبطل مدعاهم ، وتبقى السنة حجة في دين الله عز وجل يوثق بها ويعتمد عليها(5)